قصة قصيرة من وحي الخيال
مقدمة : قد يجد الذين أنسوا لأحزانهم في قصتي هذه عزاءً لهم ... ولو أنهم يتأملون الحياة قليلا سيجدون أن كل سنوات العُمر بماتحمل من أعياد و مآسي وبكل ما حوت من حلم تحقق و آخر تسحبه رياح المساء .. بل كل الدنيا وما تحمــل مما رأينا وما لم نرَ , كلها لا تساوي قطرة ماء في لحظات العناء , عندما تغادرنا المشاعر كلها ولا يبقى بداخلنا سوى حب البقاء ...
********
كان ممسكا بذراع أمه ويمشيان في تلك الصحراء القاحلة , وعلى الرغم من قسوة المكان وحر الجو إلا انهما كانا يجتهدان في النظر إلى كل مكان عساهما يجدان المنقذ ..
كان الشاب يحاول زرع الأمل في قلب العجوز , بكلمات ما كانت لتصدقها إلا لتطمئنه أنها بأحسن حال ..
وفي ضحى اليوم المقبل ... طلبت العجوز منه أن لا يستهلكا المزيد من طاقتهما وترجته أن يقبعا في المكان الذي قد وصلا إليه في تلك الصحراء التي خُيل إليهما أنها العالم كله , إذ أن كل منهما يجزم بينه وبين نفسه , غير مبد للآخر على أنها لا تنتهي إلا عند بدايتها .!!.
استلقت الأم على الرمل وقد كادت قواها أن تخور من شدة عطشها ... , إن أكثر ما كان يؤلمهما أنه لا يوجد بهذه الرمال غير المنتهية
ظلا يستظلان تحته ...
جثا الشاب على ركبتيه راسما ظلا بجسده وغطى به وجه والدته التي استسلمت للتعب وراحت تغمغم بكلام غير مفهوم ولازال يدفع الخوف عنها بقوله تشجعي يا أماه ولا تستسلمي سيحضرون لإنقاذنا ..
ظل ّ الشاب على ذلك الحال لوقت طويل فكان يرسل بصره حوله أحيانا بحثا عن الأمل ويعود به لجسد أمه فيرقب حركاتها ليعلم أنها لازالت على قيد الحياة ...
تعب الجاثي أمام أمه وشعر بدوار ماكان قد أحس به قبل تلك اللحظة , كما كان يشعر ومن شدة عطشه وحرارة الشمس و كأن خنجرا مغروزا في حلقه !!, استلقى الشاب بالقرب من أمه على تلك الرمال ووضع كفيه على وجهه ليحجب عنه تلك الأشعة المحرقة , وكان من شدة تعبه يغفوا ويفيق لم يكن يدري كم من الوقت مضى كما أنه بدأ بالاستسلام لتلك الفكرة التي راودته في البداية بأنهــا النهاية التي لا مفر منها !
كان يذكر تلك الأيام التي قد عاشها في دنياه التي كان يعتقد بشقائها , فكان يذكر لحظات الأسى و الألم فما كانت إلا حبة رمل واحدة من بين ما لا طاقة له على إحصائه من كل هذه الرمال التي لا تنتهي , لقد كان يرحل بخياله لمرحلة الطفولة و تلك الفرحة التي ما حاول يوما أن يجد تفسيرا لها , ليعود لمرحلة المراهقة وذلك الاستياء الممزوج بـلذيذ الألم اللذان ما فكر يوما في أنهما قد يفارقاه , ... وكان بين الغفوة واليقظة يرى وكأنه في منزله الصغير هناك بالقرية يفتح البراد ليخرج كوبا من الماء ما إن يلامس فاه حتى ينتفض من مكانه مفزوعا ليجد نفسه غارقا في عرقه لا يرى في ذلك المكان غير صفرة الرمال و أمه الملقاة بالقرب منه ليس يدري أفارقت الحياة أم لازالت تتشبث بها في يأس ... , فكّر الشاب في أنه قد لا يكون ما هو أصعب من أن يرى الإنسان شخصا عزيزا يموت بقربه ولا يحرك ساكنا إذ أنه لا حول له ولا قوة , قام الشاب من مكانه بصعوبة إذ أنه ما عاد قادرا على الحركة وراح يسحب نفسه نحو أمه وما إن اقترب منها حتى وضع رأسه على صدرها ليجس نبض قلبها وضل على ذلك الحال طويلا إذ أنه ما سمع شيئا ...
رفع الشاب رأسه بحزن وقد اغرورقت عيناه ... نظر للشمس في يأس و كأنه يعاتبها على قسوتها مع والدته التي رحلت وهي غير راغبة في الرحيل ...
تأمل الشاب والدته دون أن ينبس بكلمة كانت دموعه تعبر عن كل ما جال بخاطره ...
ظل الشاب كذلك إلى أن اختفت الشمس هناك حيث تنتهي الرمال , ووضع رأسه على كتف أمه متوسدا إياه ليستسلم للقضاء , فقد كان يعلم جيدا أنه هذه المرة لن يفيق .